في يونيو 2025، شنّت إسرائيل، ثم الولايات المتحدة، غارات على منشآت إيران النووية، مستهدفة دولة لا تمتلك سلاحًا نوويًا بل تشارك في مفاوضات دبلوماسية. إيران التزمت بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وسمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى منشآتها، وأعلنت حرمة السلاح النووي بفتوى من المرشد الأعلى علي خامنئي. ومع ذلك، لم يمنحها هذا الالتزام أي حماية.

قصف 13 يونيو الإسرائيلي أنهى المفاوضات الجارية، وأعقبته هجمات أمريكية أعلنت بداية عصر جديد تُقدَّم فيه القوة العسكرية على الدبلوماسية. الرسالة كانت واضحة: في النظام العالمي الحالي، لا تضمن الطاعة الأمن، والاعتدال يُفسَّر كضعف.

 

ازدواجية المعايير في النادي النووي

النظام النووي العالمي يعاني من خلل عميق. الدول التي تملك أسلحة نووية هي الأشدّ صراخًا لمنع انتشارها، بينما تحتفظ لنفسها بضمانات أمنية مطلقة، وتحرم الآخرين منها. الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا – وإسرائيل بأسلحتها غير المعلنة – تمثل هذا الاحتكار.

قارن بين إيران وكوريا الشمالية. الأولى لا تملك سلاحًا نوويًا وتعرضت للقصف. أما الثانية، رغم تجاربها النووية وتهديداتها الصريحة، فلم تُمسّ. الرسالة الاستراتيجية واضحة: من لا يملك النووي يصبح هدفًا.

تجربة أوكرانيا تؤكد ذلك. كييف تخلت عن ثالث أكبر ترسانة نووية بالعالم في التسعينات مقابل ضمانات أمنية. والنتيجة؟ روسيا غزت أوكرانيا في 2014 و2022، والعالم اكتفى بالمراقبة.

 

معاهدة عدم الانتشار.. حماية للأقوياء وقيد على الآخرين

نُظِر إلى المعاهدة بوصفها طريقًا لنزع السلاح ومنع انتشاره، لكنها عمّقت الفجوة النووية. القوى الكبرى تحتفظ بترسانتها، وتمنع غيرها من تطوير قدرات مماثلة.

حالة إيران تكشف هذا التناقض: اتبعت القواعد بدقة، وسمحت بتفتيش غير مسبوق، وأصدرت تحريمًا دينيًا لتطوير السلاح النووي، ثم تعرّضت للهجوم لا بسبب انتهاك، بل لأنها التزمت وظلّت ضعيفة.

الدول الأخرى باتت ترى المعاهدة وكأنها نظام يُقيّد المستضعفين بينما يضمن الحماية لأصحاب السلاح.

 

الحسابات الأمنية الجديدة

في بيئة تتزايد فيها الترسانات النووية، تصبح الدولة غير النووية أضعف وأكثر عرضة للخطر. إسرائيل تملك سلاحًا نوويًا معروفًا في المنطقة، وكوريا الشمالية تملك ترسانة تنمو. الهند وباكستان أيضًا يملكان قوة نووية. وسط هذا الواقع، تبرز معضلة أمام الدول الأخرى: إما القبول بالهشاشة الاستراتيجية أو السعي إلى وسائل ردع خاصة بها.

بعض الدول قد تتجه لتوسيع برامجها النووية المدنية لأغراض مزدوجة، أو تعزيز قدراتها البحثية، أو تبني الغموض الاستراتيجي، أو إعادة النظر في عقيدتها الدفاعية. الهدف ليس بالضرورة سباق تسلح، بل تفادي المصير الإيراني.

لكل دولة نهجها. إسرائيل لا تعترف رسميًا بترسانتها، اليابان تمتلك القدرة التقنية لكنها لا تنتج السلاح، ألمانيا تعتمد على ترتيبات تقاسم نووي داخل الناتو. هذه نماذج مختلفة لتحقيق التوازن بين الأمن والالتزام بعدم الانتشار.

 

الردع لا يعني العدوان

السلاح النووي ليس أداة غزو، بل بوليصة تأمين ضد الإبادة. قيمته تكمن في منع استخدامه عبر خلق تكلفة باهظة لأي عدوان.

ما جرى في إيران عام 2025 يُظهر نتائج غياب هذا الدرع. لم تكن إيران مهددة لأحد، بل عوقبت لأنها لا تستطيع الرد.

 

الاستقلال السيادي عبر القوة

رسالة ما حدث لإيران واضحة: حسن السلوك لا يحمي. التحلي بالمسؤولية والانضباط في عالم يتغير ويزداد فوضىً لا يضمن الأمن. السلاح النووي ليس سيفًا، بل درعًا يحمي من الأخطار الوجودية.

مع تراجع موثوقية التحالفات وتزايد الغموض الجيوسياسي، تزداد أهمية الاعتماد الذاتي استراتيجيًا. سواء عبر الغموض النووي، أو الاستعداد التكنولوجي، أو العقائد العسكرية المعدّلة، لا بد للدول من تأمين نفسها ضد أي هجوم دون عقاب.

البديل، كما أظهرت التجربة الإيرانية، هو التعرّض لأهواء القوى الكبرى بلا حماية، حتى إن اتُّبع القانون الدولي بأدق تفاصيله ونُسجت النوايا بالسلام.

السيادة لا تنفصل عن الأمن. وأحداث 2025 جعلت هذه الحقيقة جليّة لا يمكن إنكارها.

https://www.middleeastmonitor.com/20250711-when-restraint-is-punished-the-bombing-of-iran-and-the-collapse-of-the-nuclear-security-order/